حقيبة Hermès من يد أسماء الأسد الى يد الشعب السوري
ما الذي حدث؟ وكيف تحولت الوردة الإنجليزية أسماء إلى شوكة في حلق السوريين؟

كلنا شفنا هذا المشهد.
في مشهد درامي، اقتحم السوريون قصور الرئيس السابق بشار الأسد بعد الإطاحة به، ليجدوا أنفسهم أمام الفخامة والترف بشكله الحداثوي. من بين الموجودات، برزت حقيبة هيرميس الشهيرة، رمز الأناقة والثراء، التي كانت تتألق في يد أسماء الأسد في مناسباتها العامة.
هذه الحقيبة، التي تُعتبر من أغلى الحقائب في العالم حيث تقدر قيمتها بـ ١١ الف دولار في زيادة سنوية ٢٪-٣٪ مما يجعلها استثمارا ذكياً للمرأة الانيقة، لكنها في حسابات الشعب = راتب سوري لعشر سنوات. الحقيبة أصبحت فجأة في متناول أيدي العامة، حيث شوهدت تتنقل بين أيدي فتيات على حسابات السوشال ميديا. وتحولت من رمز للسلطة والترف إلى تذكار شعبي، يحمل دلالات عميقة على التغيرات الجذرية التي شهدتها البلاد، لم تكن الحقيبة مجرد قطعة إكسسوار، بل أصبحت رمزًا لنهاية حقبة من البذخ والاستبداد. وبينما فرّ الأسد وعائلته إلى روسيا، تاركين وراءهم قصورهم وممتلكاتهم، بقيت حقيبة هيرميس لتروي قصة تحول درامي الذي بدأ بدايةً مثير..
اليكِ القصة …

فتاة بريطانية تُدعى “إيما”، تعيش بين أحياء لندن الراقية، تتفوق دراسيًا في أفضل المدارس، وتسعى خلف طموحها في عالم البنوك بنيويورك وباريس. فجأة، تتحول هذه المخملية النحيلة إلى “أسماء الأسد”، زوجة الرئيس السوري، وتصبح جزءًا من واحدة من أكثر العائلات السياسية ظلامية و إثارةً للجدل في الشرق الأوسط.
ما الذي حدث؟ وكيف تحولت الوردة الإنجليزية إلى شوكة في حلق السوريين؟
وردة المجتمع المخملي
وُلدت أسماء الأسد في ١١ أغسطس 1975 لعائلة سورية مقيمة في لندن. والدها، الدكتور فواز الأخرس، طبيب قلب مرموق، ووالدتها، سحر الأخرس، دبلوماسية متخصصة. بدأت الحكاية حين تعرّف الدكتور الأخرس على الأنسة سحر العطري، التي كانت تعمل كسكرتير أول في السفارة السورية في لندن، تزوجا وولدت ابنتهما الكبرى أسماء وابنهما فراس ثم إياد.
نشأت في بيئة مليئة بالتطلعات، تخرجت من مدرسة كوينز كوليدج الخاصة، ثم أكملت دراستها الجامعية في علوم الكمبيوتر والأدب الفرنسي من كينغز كوليدج.
خلال فترة دراستها، برزت أسماء كشخصية طموحة تسعى دائمًا لتحقيق المزيد. كانت تتحدث بثقة عن أحلامها المهنية وكيف تريد أن تترك أثرًا في عالم المال. ومع ذلك، لم تكن تعلم أن حياتها ستأخذ منعطفًا كبيرًا خارج مجال المال الذي أحبته.

لعبة الكبار – أسماء تترك البنوك وتدخل لعبة العروش
بعد تخرجها، بدأت أسماء حياتها المهنية في بنوك عالمية كجي بي مورغان، متنقلة بين لندن ونيويورك وباريس. كانت تُعتبر من أبرز المواهب الشابة، واشتهرت بقدرتها على التعامل مع الأرقام وتقديم استراتيجيات مبتكرة. أسماء او الملقبة بـ (وردة لندن) بين زملاءها كانت تتمتع بمهارة عجيبة في التفاوض حتى في شراء كوب قهوة.
ومن التفاوض على ثمن القهوة في لندن إلى التفاوض على مستقبلها بالزواج من ابن الأسد، أسماء أدارت حياتها بأذكى صفقة سياسية!
قصة تعارف أسماء وبشار الأسد أشبه بمسلسل درامي سياسي، بس مع لمسة بريستيج لندني. الحكاية بدأت لما كان بشار، طبيب عيون طموح والذي تربع في ذيل قائمة المرشحين لقيادة بلاد كـسوريا، تدرب بشار في لندن، وأسماء أو “إيما” وقتها، كانت تلعب بأرقام ملايين العملاء في “جي بي مورغان”. تخيلي: بنت لندن الراقية تتقابل مع ابن الأسد في مناسبة عائلية، بشار، اللي كان دايمًا تحت ظل أخيه باسل، رأى في أسماء فرصة ذهبية. بنت أنيقة، متعلمة، ومولودة في لندن. يعني واجهة حضارية للنظام لو يوم صار رئيس. أما أسماء، اللي كانت تعرف تسوي صفقات في البنوك، شافت في بشار صفقة العمر: في اسوأ الاحوال هو زوج ثري وفي احسن الاحوال هو رئيس دولة.

العلاقة بدأت بهدوء، مكالمات ودردشات لندنية، لكن بسرعة دخلت في مرحلة الجد. في 2000، أسماء حزمت شنطها، وودعت حياة لندن، وانتقلت إلى دمشق كعروس جديدة. ومن هنا، بدأت تتحول من “إيما” بنت لندن إلى أسماء الأسد، سيدة قصر الرئاسة وشريكة بشار في لعبة السلطة الكبرى.
(السيدة الأولى) كان يُنظر إليها على أنها الأمل في تغيير صورة البلاد القاتمة والعتيقة التي تزحف نحو الحداثة ببطء. هذا التحول أثار تساؤلات حول كيف يمكن لشخصية يبدو عليها الرقة والترف مثل أسماء أن تتكيف مع دور مختلف تمامًا.

تحت الأضواء: وردة الصحراء التي غطت على دماء السوريين؟
أسماء لم تكن زوجة عادية. ظهرت كواجهة حداثة لسوريا، تبرز فيها الأناقة والعصرية. في مارس 2011، نشرت مجلة Vogue مقالاً بعنوان “وردة الصحراء”، وصفها بأنها أنيقة وذكية. لكنها لم تكن مجرد رمز للأناقة، بل كانت أداة استراتيجية للنظام السوري. هذا المقال، الذي تم حذفه لاحقًا بسبب تداعيات سياسية، أظهر الجانب الإعلامي لتسويق أسماء كرمز للحداثة. في الوقت الذي كانت تظهر فيه بأزياء راقية وتلقي خطبًا عن تمكين المرأة، كانت سوريا تشهد واحدة من أكثر مراحلها قسوة واضطرابًا. هذا التناقض جعلها هدفًا لانتقادات واسعة.
أسماء الأسد كانت تُعرف بشغفها بأحذية الكعب العالي رغم سنتمتراها الـ١٧٠، حتى أن إحدى التسريبات كشفت عن إنفاقها الآلاف على أحذية “لوبوتان” الشهيرة رغم ترويجها لصورة السيدة الأولى البسيطة في سوريا!

العائلة السعيدة!

لم يكن دور أسماء الوحيد هو دعم زوجها بشار الأسد، بل امتد تأثيرها إلى أولادها الثلاثة: حافظ، زين، وكريم.
- حافظ الأسد: الابن الأكبر، الذي أُطلق عليه اسم جده. شارك في مسابقات رياضية وعلمية، لكن أداءه كان محط انتقادات. في عام 2017، احتل المرتبة 528 من بين 615 مشاركًا في مسابقة رياضيات دولية. بس لا أحراج تماما، الإعلام الموالي للنظام حوّل فشله بالحساب والجبر الى “جبر خواطر” و صوره كعبقري المستقبل. هو ربما عبقري في شيء ما .لكن أكيد مو في الرياضيات،
- زين الأسد: الابنة الوحيدة، وُصفت بأنها ذكية وقوية الشخصية. أمها، أسماء، كانت تقدمها كواجهة أنثوية متوازنة للبنت السورية تمثل الأسرة. شاركت زين في أنشطة اجتماعية، لكن دورها ظل محدودًا مقارنة بأخيها الأكبر. في عام 2021، حصلت زين على معدل 98.5% في الثانوية العامة، مما أثار سخرية واستياء بين السوريين، حيث قارن البعض بين نتيجتها المرتفعة ونتائج والدها الرئيس في الانتخابات السورية، معتبرين أن هذه الدرجات تعكس تلاعبًا بالنتائج. في عام 2023، انتشرت شائعات عن زواج زين من باسل آصف شوكت، ابن عمتها بشرى الأسد، لكن هذه الأخبار لم تؤكد رسميًا. بعد زلزال سوريا في فبراير 2023، ظهرت زين في صور وهي توزع مساعدات على المتضررين، مما دفع البعض لاعتبار ذلك محاولة لتلميع صورة العائلة الحاكمة.
- كريم الأسد: الأصغر في العائلة، يظهر دائمًا في وسائل الإعلام كـ”الرياضي النجم” وحبيب والدته.

الثلاثة نشأوا في بيئة مليئة بالترف، يتعلمون اللغات (الانكليزية والروسية، الإسبانية، والصينية)، ويعيشون تحت رقابة إعلامية لتسويق صورة عائلية إيجابية متماسكة. لكن هذا الترف لم يكن كافيًا لإخفاء الانتقادات التي طالتهم.
“أنا الديكتاتورة”: كيف صنعت أسماء قبضة بشار على سوريا؟
مع اندلاع الثورة السورية، ظهرت تسريبات كشفت عن وجه آخر لأسماء. في إحدى الرسائل الإلكترونية المسرّبة، قالت مازحة: “أنا الديكتاتورة الحقيقية.” هذا التعليق الصادم عكس تناقضًا صارخًا مع الصورة التي كانت تحاول تسويقها للعالم.
كانت أسماء تشتري أحذية من كريستيان لوبوتان وأثاثًا فخمًا بمئات الآلاف، بينما كان الشعب السوري يعاني من الفقر والحرب. تناقض صارخ جعل منها شخصية مثيرة للجدل.
لم تكن أسماء شخصية هامشية في النظام. بحسب تقارير، أشرفت على حملات إعلامية دولية لتلميع صورة عائلتها. أسست منظمات خيرية، لكنها وُصفت بأنها وسيلة لغسيل الأموال وتعزيز قبضة النظام على الاقتصاد.
.كما دعمت بشكل مباشر قرارات اقتصادية وسياسية زادت من معاناة السوريين. فبعد وفاة أنيسة مخلوف (حماتها والدة بشار الاسد والسيدة الاولى السابقة) عام 2016، توسع نفوذ أسماء بشكل ملحوظ، حيث سيطرت على ملفات اقتصادية وإنسانية مهمة. في عام 2020، أشرفت على حجز أموال وممتلكات رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، مما أدى إلى تفكيك إمبراطوريته المالية. بالإضافة إلى ذلك، سيطرت أسماء على توزيع “البطاقات الذكية” عبر شركة “تكامل”، التي أُدخلت في عام 2014 لإدارة توزيع البنزين والمازوت المدعومين. في فبراير 2020، توسعت هذه البطاقات لتشمل المنتجات الغذائية الأساسية، مما منحها سيطرة كبيرة على تجارة الدولة. كما قادت أسماء مجلسًا اقتصاديًا سريًا يتحكم في مفاصل الاقتصاد السوري، مما عزز مكانتها داخل النظام. هذه السياسات والقرارات ساهمت في زيادة معاناة السوريين، حيث يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر

في الصورة، أنيسة مخلوف : اللبؤة الاولى.
فكري معي: كم شخص في حياتنا يبدو واجهة للخير لكنه في نفس الوقت شريك إبليس في الشر؟
الوردة الجريحة: مرض السرطان واستغلال اللحظة الإنسانية
في عام 2018، أعلن عن إصابة أسماء الأسد بسرطان الثدي، ليصبح المرض سلاحًا إعلاميًا جديدًا في جعبة السيدة الأولى. الخبر، بطبيعة الحال، استدر عواطف البعض وفتح أبواب التعاطف بلا استئذان. لكن، كالعادة، لم يخلُ المشهد من عنصر البروباغندا.
ظهرت أسماء في صور مدروسة جدًا، ترتدي الحجاب الطبي، محاطة بهالة من القوة المصطنعة. بالنسبة للبعض، كانت تلك الصور رمزًا للمرأة الصامدة التي تواجه التحديات. أما بالنسبة للآخرين، فكانت مجرد فرصة إضافية لتحويل الأضواء بعيدًا عن الجرائم والانتهاكات التي تنخر البلاد.
حقائق مثيرة للجدل:
- في الوقت الذي كانت فيه صور أسماء تجوب وسائل الإعلام، كان النظام يشن عمليات قصف أدت إلى تهجير الآلاف.
- قُدرت تكلفة حملة “المرأة الحديدية” بملايين الدولارات، في بلد يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر.
- أحد المحللين وصف الحملة بـ”إعادة تدوير صورة النظام بأناقة الحجاب الطبي”.
إذاً، السؤال هنا: هل كان السرطان محنة إنسانية أم فرصة دعائية بامتياز؟ الإجابة تختلف حسب نظرتك… وحسب الطبيب الذي وصف الجرعة الإعلامية!
رغم جنسيتها.. أسماء الأسد “غير مرحب بها” في بريطانيا
بعد سقوط نظام الأسد المفاجيء وغير المفاجيء معاً، يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤ ، انتقلت أسماء وعائلتها إلى موسكو العاصمة الروسية حيث يعيشون في رفاهية في كنف العم فلاديمير بوتين. تقارير تشير إلى امتلاكهم عقارات فاخرة بملايين الدولارات في أرقى أحياء موسكو.
الزبدة :
قصة أسماء تذكرنا أن الأناقة والذكاء وحدهما لا يكفيان لصنع شخصية محترمة يخلدها التاريخ. جودة القرارات التي تُتخذ في الأزمات هي التي تصنع الإرث.
فهل أسماء الأسد كانت ضحية للظروف أم شريكة في صنعها؟
شاركينا رأيك.